“أمريكا على خطى التايتنيك .. هل تمنع الهيبة الغرق؟”
22 يناير 2025
48
سمير السعد
تمثل الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر القوى تأثيرًا على الساحة العالمية، ليس فقط بفضل إمكاناتها العسكرية والاقتصادية، ولكن أيضًا من خلال قدرتها على خلق صورة مشبعة بالهيبة والعظمة. تظهر هذه الصورة في كل جانب من جوانب الحياة الأمريكية ، الأفلام، التكنولوجيا، العلامات التجارية العالمية، وحتى الخطاب السياسي الذي يُبنى بعناية فائقة ليعكس قوة لا تتزعزع.لكن، كما هو الحال مع السفينة الأسطورية “تايتنيك”، التي كانت تُعدّ رمزًا للحداثة والتطور في عصرها، فإن الهيبة وحدها لا تمنع الكوارث. “تايتنيك” غَرقت بسبب تجاهل عوامل أساسية، مثل التحذيرات بشأن الجليد والافتقار للتدابير الاحترازية الكافية. واليوم، قد تواجه أمريكا ذات المصير إن استمرت في تجاهل التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد تماسكها وقدرتها على الاستمرار كقوة عظمى.
منذ عقود، تبني أمريكا صورتها كقوة عظمى من خلال استعراض نفوذها في السياسة العالمية، ترويج الثقافة الأمريكية كرمز للحداثة، والاعتماد على إعلام قوي يعزز مكانتها كـ”قائدة العالم الحر”. لكن هذه الهيبة ليست سوى واجهة قد تخفي وراءها نقاط ضعف تتزايد بمرور الوقت، مثل الانقسامات الداخلية، تفاقم الفجوة الاقتصادية، وتراجع الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة.
من بين أسباب الغرق المحتمل هي الأزمات الاقتصادية المتكررة ، رغم هيمنة الدولار، فإن الديون المتراكمة وارتفاع تكاليف المعيشة يشكلان تهديدًا لنظامها الاقتصادي. كذلك الاستقطاب السياسي و الانقسامات الحادة بين الأحزاب السياسية، وتصاعد الشعبوية، يؤثران على الاستقرار السياسي.مع التراجع الأخلاقي والدبلوماسي و سياسات التدخل العسكري والإملاءات الخارجية قد تفقدها حلفاءها، وتجعلها أكثر عزلة على المسرح الدولي.ايضا التحديات البيئية و تجاهل المخاطر البيئية وانعكاساتها قد يجعلها أكثر عرضة لكوارث طبيعية مدمرة.
إن أحد أكبر أخطاء “التايتنيك” كان الغرور بالإنجازات التقنية والتجاهل لتحذيرات الخطر. وهذا ما يمكن أن يتكرر مع أمريكا، إذا استمرت في الاعتقاد بأن قوتها الظاهرية كافية لحمايتها من السقوط.
قد تكون أمريكا اليوم أقوى دولة في العالم، لكن التاريخ علّمنا أن الإمبراطوريات لا تدوم إلى الأبد. كما غَرقت “تايتنيك”، رغم عظمتها، قد تجد أمريكا نفسها في مواجهة مصير مشابه إن لم تُراجع سياساتها وتضع في اعتبارها أن القوة الحقيقية لا تكمن فقط في الهيبة، بل في المرونة والاستعداد للتغيير.