
البجاري: تأخير رواتب الحشد الشعبي خرقٌ لحقوق المقاتلين ونُحمّل “كي كارد” المسؤولية الكاملة
يونيو 28, 2025
يمتاز كل حزب أو تنظيم سياسي بمرجعية فكرية ودينية وإجتماعية وثقافية خاصة به تشكل إطروحاتها المعالم الأساسية التي يبتني عليه الحزب ركائزه التنظيمية وتفاعلاته الحركية في الحياة. وفي العراق تتسم الأحزاب والتنظيمات بتنوع وتعدد مرجعياتها وبالتالي تنوع مدارسها الفكرية حتى ضمن آيديولوجيا المدرسة النوعية الواحدة.
فترى الأحزاب اليسارية تتوزع مرجعياتها الفكرية بين الإتحاد السوفيتي (سابقاً) والصين ودول أمريكا اللاتينية وغيرها. وكذا الأحزاب القومية يرجع بعضها إلى المدرسة القومية المصرية (الناصرية) والبعض الآخر إلى المدرسة السورية (الأسدية) وغيرها. أما الأحزاب الإسلامية فهي الأخرى بشقيها الشيعي والسني مُتعددة ومُتنوعة المراجع وبحسب ظروف تأسيسها والمباني الفكرية لمدرستها الآيديولوجية التي تنتمي إليها.
فمثلاً حزب الدعوة الإسلامية يبني مدرسته الفكرية على إطروحات ومواقف وفتاوى شهيد العراق السيد محمد باقر الصدر «قدس سره» ومن بعده العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله «قدس سره» (ويقال بأن مرجعيته الحالية أصبحت متمثلة بالمرجع الكبير السيد محمود الهاشمي الشاهرودي). أما المجلس الأعلى الإسلامي فهو منذ سقوط النظام المباد إتخذ من مواقف وفتاوى ومرجعية السيد السيستاني أساساً فكرياً يسير المجلس على نهجه وخطاه.
أما حزب الفضيلة الإسلامي فهو من الأحزاب الإسلامية التي تستند إلى مرجعية الشيخ محمد اليعقوبي ومواقفه وفتاواه ليبني عليها أسسه التنظيمية ومواقفه السياسية.
|| مرجعية أهل الحق.. مدرسة فكرية متكاملة ||
أما حركة أهل الحق الإسلامية فهي من الأحزاب الإسلامية الصدرية التي لها مرجعيتها الفكرية والفقهية والسياسية والثقافية الواضحة والمعروفة والموصى بها من المرجع الشهيد السيد الصدر الثاني «قدس سره» نفسه . وهو أمر معروف ومشهور وموثق مع توضيح آلية التقليد والمرجعية والولاية ، فالشهيد الصدر الثاني كان يؤكد مراراً وتكراراً على الرجوع من (بعد زواله عن الساحة) إلى (الأعلم) من بعده في الأصول والفقه والذين شخصهم بثلاثة أشخاص من أبرز تلامذة الشهيد الصدر الأول «قدس سره» وهم: (شهيد الجمعة السيد محمد الصدر، السيد كاظم الحسيني الحائري، السيد محمود الهاشمي الشاهرودي).
كما لم يفُت المرجع الشهيد الصدر الثاني أن يُبين لأتباعه ومقلديه ومريديه تفاصيل الفرق بين مفهوم (المرجعية والتقليد) ومفهوم (الولاية) ومسألة إمكان الجمع بينهما أو التفريق بينهما تكليفاً وأداءً. فـ(المرجعية والولاية) في مفهوم الشهيد الصدر وكما بين في أكثر من موقف ومناسبة (إنظر إلى مقابلته مع الشيخ عبد الستار البهادلي والشيخ محمد النعماني) أنها من الممكن أن تجتمع في شخص واحد كما حصل معه «قدس سره» عندما تصدى لهُما معاً ، وأيضاً يُمكن أن لا يجتمعا ، فيُمكن للمُكلف المقلد أن يُقلد المرجع الأعلم حتى وإن لم يكُن مُتصدياً لولاية الفقيه.
وهو ما حصل بعد إستشهاده قدس سره، حيث ترجع القواعد الشعبية لحركة أهل الحق إلى المرجعين السيدين (الحائري) و(الهاشمي) بحسب وصية وشهادة المرجع الشهيد الصدر الثاني لهما ، بينما ترجع الحركة فيما يخص عنوان ولاية الفقيه إلى سماحة المرجع الولي الفقيه السيد علي الحسيني الخامنئي كونه الولي الفقيه الشرعي الكفوء العادل الشجاع المتصدي وبشهادة المرجعين السيدين (الحائري) و(الهاشمي) نفسيهما واللذان أرجع الشهيد الصدر الثاني مقلديه إليهما في التقليد والفُتيا.
وبذلك فإن الحركة اليوم تعيش الإنفتاح في الأجواء الفكرية لمدرسة ولاية الفقيه بأهم وأبرز رموزها السيدين الخامنئي والشهيد الصدر الثاني . وهذه المدرسة الفكرية أثبتت ومنذ تحولها من حيز النظرية إلى حيز التطبيق بعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران في 11/شباط/1979 أنها الأقدر والأكفأ والأجدر على مواجهة التحديات المعاصرة للأمة الإسلامية ورسالتها وعقيدتها في قبال الهجمات الجاهلية والإستكبارية وغيرها .
لقد أتاح إنتماء (أهل الحق) إلى مدرسة ولاية الفقيه مساحة واسعة جداً من التفاعل مع أحداث الأمة الإسلامية والإندكاك مع قضاياها وبكل أبعادها الثقافية والإجتماعية والسياسية بحيث جعل الحركة محط آمال الخط الإسلامي الأصيل الذي يتفاعل مع الأمور على نحو حركي تطبيقي واقعي وليس من خلال شعارات وتنظيرات مُترفة.ولعل أهل أسباب هذه المرونة والواقعية والمبدئية التي تتصف بها المدرسة الفكرية لأهل الحق هو نوع المراجع والشخصيات والرموز التي ترجع إليها الحركة سواء في الولاية أو المرجعية أو كليهما ، وإطلالة بسيطة على سيرة ومسيرة مراجع وفُقهاء وعلماء مثل السيد الخميني والشهيدين الصدرين والسيد الخامنئي يكشف لنا بوضوح معالم الخط والمدرسة الحركية التي أصبحوا رموزها.كما أن من مزايا هذا الخط أنهُ يعيش الإنفتاح والتفاعل على جميع الألوان الفكرية والثقافية ما دامت تلتقي وتصب في مَصَب تحري وتقصي حاجات وهموم المستضعفين في العالم . فتجد حركة أهل الحق مُنفتحة فكرياً على رموز مرجعية وعُلمائية عديدة مثل المرجع السيد كمال الحيدري والمرجع الراحل السيد مُحمد حُسين فضل الله والشهيد مُرتضى المطهري.. إلخ. بل تلتقي المدرسة الفكرية لأهل الحق حتى مع المدارس الفكرية غير الإسلامية في العالم تحت عنوان (الإستضعاف) ومُحاربة (الإستكبار) الذي يقوده الثالوث المشؤوم (أمريكا وبريطانيا وإسرائيل).
وهذه المرونة والإنفتاح في المرجعية الفكرية لحركة أهل الحق أتاح لها إمكانية (التكامل) مع إطروحات المرجعيات الأخرى حتى تلك التي لا تعتمدها الحركة في الولاية أو المرجعية والتقليد تطبيقاً لقوله تعالى (( فَبَشِّرْ عِبَادِي الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )).
وظاهرة الإنغلاق والتحجر الفكري أمرٌ خطير وقعت فيه الكثير الأحزاب والحركات السياسية العراقية ومنها الأحزاب الإسلامية عندما أغلقت على نفسها أبواب الإنفتاح الفكري وتعددها وتجمدت في مرجعيات فكرية محددة ومُشخّصة فأصبحت مرجعياتها الفكرية ذات بعد مُشخصن أكثر منه بُعداً حركياً .
بينما تميزت (الآلية) المرجعية المكونة لمدرستها الفكرية أنها أصبحت إمتداداً مستمراً للمرجعيات السابقة التي تنطبق عليها عناوين فكرية مُعينة ، فمرجعية حركة أهل الحق إمتداد طبيعي لمرجعيات السيد الخميني والشهيدين الصدرين والسيدين الحائري والهاشمي ، وجاء إلتزامها بولاية الفقيه المتمثلة بالسيد الخامنئي ليُجسد حَيوية مدرستها الفكرية والتحرك والإنتقال من منطقة النظرية إلى منطقة التطبيق .وكمظهر واضح من مظاهر حيوية وآثار إلتزام الحركة بمدرسة ولاية الفقيه ورموزها ما تبين وإتضح للعالم في مواقف «حركة أهل الحق» من أحداث وقضايا الأمة الإسلامية وتفاعلها معها حتى أثناء فترة المقاومة العسكرية المسلحة ضد الإحتلال وقبل دخولها العملية السياسية ، فكان للحركة مواقف مشهودة في نصرة هذه القضايا والتفاعل معها بكل ما تقتضيه طبيعة القضية وتحدياتها ، ومن تلك الأحداث والقضايا: (الإعتداء الصهيوني على الشعب اللبناني، قضية الإعتداء على حرمة القرآن الكريم والتهديد بحرقة من قبل القس المتطرف «تيري جونز»، ثورة البحرين، ثورة الشعب اليمني وجماعة الحوثيين، الإحتلال الصهيوني لفلسطين .. إلخ).حيث كان رد الفعل العصائبي تجاه هذه القضايا والأحداث سريعاً ومُتنوعاً بين ضربات عسكرية موجعة لقوات الإحتلال في العراق آنذاك وبين مُبادرات إنسانية وثقافية (مثل قافلة المختار لدعم ونصرة الشعب البحراني) وبين مواقف مبدئية مُسجلة وموثقة تفتخز بها الحركة أمام التأريخ. ولذا يُمكن إعتبار أهم معالم المدرسة الفكرية لأهل الحق أنها تستند إلى أهم المباديء الإسلامية التي أوضحها النبي الأكرم «ص» بقوله : (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين ليس بمسلم) .فعلى هذا الأساس لا يُمكن تصور المدرسة الفكرية التي تنتمي إليها أهل الحق دون أن يكون لها موقف ورأي حركي ومبدئي مُستمد من مدرسة ولاية الفقيه ورموزها.
وهذا كله يُضاف إليه المرجعية الفكرية الأصل الجامعة المتمثلة بالقرآن الكريم والمؤسسة للمرحلة البشرية النهائية أو مرحلة (الوراثة والإنتصار) بقيادة صاحب العصر والزمان «عج» (( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )) وهي في حقيقتها ثمرة كُل النشاط البشري من آدم إلى آخر الزمان.
احمد رضا المؤمن